خيمت أجواء من الحزن الشديد على بيوت الشهداء هذا العام بحلول عيد الفطر السعيد ، نتيجة فقدانهم أقرباء وأصدقاء وأحبة غيبتهم الحرب الصهيونية الإرهابية الأخيرة على القطاع، ناهيك عن استقبالهم العيد في ظل ظروف إنسانية واقتصادية صعبة بسبب الحصار الصهيوني الظالم.العيد هذا العام له شكل وطابع خاص على هذه العائلات فهي لا تدري كيف تستقبل العيد؟
فالاحتلال الصهيوني لم يبقِ لها شيئا من الفرح, بعد أن أذاقها مرارة القتل المتعمد والتشريد, في حرب استخدم فيها أسلحة محرمة دولياً,وسيجبر الاحتلال مئات الأسر الفلسطينية سيما ذوي الشهداء التوجه أول أيام العيد إلى المقابر لتقبِّل الأم تراب ابنها الشهيد, بدلاً من أن يأتي هو ليقبِّل يدها ويهنئها بالعيد، ولترثي الزوجة زوجها ، في مشهد يحمل بين طياته ذكريات مؤلمة لأهالي الشهداء بأمنيات ألا يأتي هذا العيد!!.
ذكريات عوائل الشهداء
زياد سمير ديب (23 عاماً) فقد أباه وثلاثة من أخوته خلال العدوان الأخير - فيما فقدت عائلته 11 من أبنائها في مجزرة مدرسة الفاخورة - قال بدموع محترقة:" لا أشعر بأننا نعيش شهر رمضان أو أننا نقترب من عيد الفطر, فهذه الأيام لا تمر كيوم عادي، بل هي أسوأ أيام نعيشها وأكثرها حزنا ، غداً يأتي العيد وسيفتح باب العزاء بوالدي وإخوتي من جديد، فيوم العيد سيكون يوماً للعزاء؛ لأنه سيكون شبيها بيوم مواراة جسد أبي وإخوتي الثرى, وسيخيم على منزلنا الحزن والبكاء ومن ثم سنذهب لزيارة قبورهم".
يتوقف ديب قليلاً عن حديثه محاولاً إخفاء دموعه التي تتسلل على وجنتيه رغما عنه، ليستكمل قائلاً:" أنا وأمثالي من أبناء الشهداء، لا نتمنى أن يأتي العيد إلينا؛ لأنه عيد حزن وبكاء على فراق الأب والأخوة الذين حرمنا بموتهم معاني الفرح.
وسأمضي في كل لحظة من أيام العيد مع هذه الذكريات المؤلمة، ففي هذا الركن كان يجلس أبي وحوله أخوتي، وفي هذا الوقت كان يذهب معنا لزيارة أقاربنا، وكان وكان ".. حزن وبكاء لا ينقطع.
أما الحاجة أم محمد ديب ( 42عاماً ) التي فقدت زوجها و3 من أبنائها أخذت تسترجع هي الأخرى ذكرياتها مع زوجها وأبنائها الشهداء، وعلامات الحزن والألم تبدو جلية على وجهها فتقول:" ماذا سأقول.. إنها لحظات صعبة وقاسية.. في هذه الأيام نبكيهم ونفتقدهم وفي كل لحظة نشتاق إليهم".
وتصارع دمعاتها قبل أن تكمل حديثها قائلةً: "إننا نبكي اليوم دماً بدل الدموع فمن يعوضنا عن أبنائنا ورجالنا والأيام الجميلة التي عشناها؟, كل شيء ذهب في لحظات, لا أدري كيف أفرح بالعيد وكل شيء قد انتهى عندما قتل اليهود زوجي وأبنائي.
وبعد تغلبها على دمعاتها أكملت أم محمد حديثها حول ذكرياتها مع عائلتها, فقالت: " لقد كنا في مثل هذه الأيام نجهز كعك العيد ونتشاور حول استقبال العيد وشراء الملابس الجديدة للأطفال في أجواء رائعة، والضحكات
ترتسم على وجوهنا بانتظار قدوم العيد والسعادة تملأ قلوبنا ".
وتضيف:" هذه الأيام ذهبت دون أن نشعر بها, فلقد أحرق اليهود قلوبنا على أبنائنا ودمروا كل ما بنيناه
من حياة سعيدة فحسبنا الله ونعم الوكيل".
العيد يجدد الحزن
عائلة بعلوشة إحدى العائلات التي ذاقت ويلات الحرب بفقدانها فلذات أكبادها، تعيش هذه الأيام
على ذكرى زهراتها الخمسة
( دينا وجواهر وسمر وإكرام وتحرير ) اللواتي دمر البيت فوق رءوسهن جراء قصف الاحتلال لمسجد عماد عقل بمخيم جباليا.
يسترجع أنور بعلوشة والد الشهيدات ذكرياته الجميلة مع بناته فيقول:" يمر علينا في هذه الأيام شريط من الذكريات الجميلة التي عشتها مع بناتي الخمسة, وعندما أفيق من هذه الذكريات تحلّ عليّ دموع الحسرة والحزن لفراقهن فهن أعز ما أملك في الحياة ورحيلهن صعب وقاس".
وأضاف بصوت يعتريه الحزن والألم:" أتذكر بناتي عندما كن يجلسن حولي في هذه الأيام تحضيراً للذهاب لشراء كسوة العيد والحلوى, ويرددن الأناشيد في أجواء جميلة نستعد فيها لاستقبال العيد, ولكن كل هذه الذكريات الجميلة تحولت إلى لحظات مؤلمة وقاسية بسب الإجرام الصهيوني الذي حرمني الفرحة ببناتي، فحسبنا الله ونعم الوكيل ".
وفي الجانب الأخر من المنزل كانت والدة الشهيدات تجلس محتضنة صور بناتها حيث عادت بذكرياتها إلى الوراء وقالت:" لقد كانت بناتي ينتظرن قدوم العيد لما له من بهجة وسرور, فهذه الأيام يخرجن فيها إلى المنتزهات والزيارات وفي أخر أيام شهر رمضان كنت أخرج مع بناتي إلى سوق جباليا لشراء ملابس العيد الجميلة لهن والفرحة تملأ قلوبنا ومنزلنا.
وتضيف وقد امتزجت دموعها بالألم:" كم هي اللحظات الصعبة تلك التي نعيشها الآن بفقدانهن، فلا أدري بم سأستقبل العيد, أأستقبله بمنزلي المدمر؟, أم ببناتي اللاتي خطف الاحتلال بسمتهن من حياتي ".
أما شقيقة الشهيدات الخمسة إيمان بعلوشة ( 17 عاماً ) فلم تنقطع دموعها عن البكاء عندما استرجعت اللحظات الجميلة التي عاشتها مع شقيقاتها, وبكلمات متقطعة قالت:" لا أدري كيف سيأتي هذا العيد وأخواتي لسن بجانبي فمع من أخرج وكيف سألهو والعب في العيد ( الله يحرق قلوب اليهود مثل ما حرقوا قلبي على أخواتي ).
على ما يبدو أن أجواء الحزن والدموع هي التي ستخيم على عائلة بعلوشة في أول أيامها من عيد الفطر السعيد, حالها كحال سائر عوائل الشهداء الذين فقدوا أحبتهم خلال العدوان الهمجي، فلم يبقَ أمامهم سوى الصمود والإصرار
على مواصلة الحياة بالرغم من ارتقاء الشهداء.
واعتاد الشعب الفلسطيني في الأعياد زيارة أهالي الشهداء والجرحى ، ولكن هذا العيد الذي يأتي والشعب مثخن بالجراح جراء الحرب الهمجية الصهيونية الأخيرة وكثرة الشهداء, ومن المتوقع أن تتحول فيه مقابر الشهداء المنتشرة في قطاع غزة إلى بيوت عزاء كبيرة، وسيفتح الجرح من جديد في كافة البيوت التي ستتحول هي الأخرى إلى بيوت عزاء؛ لتتجدد الآلام ويُنكأ الجرح مرة أخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق