ثاني شتاء ومشردو الحرب الصهيونية مازالوا في العراء
لاحول ولاقوة لهم الا بالله بعد أن خذلهم الأشقاء العرب
نيوز فلسطين - غزة المحاصرة
يحمل والدها كأسا من الشاي الساخن.. وتوزع أمها حبات الكستناء الدافئة على أكف باردة تتوق لمعاطف الشتاء.. شقيقها الصغير يحمل كراسته ويتكوم أمام المدفأة ويبدأ في حل واجباته المدرسية.. أنوار ليلية خافتة وستائر يطيح بها أي هواء قد يلسع حميمية الجلسة وجمالها.
وفيما ترسم "شيماء خضر" ابنة الـ13 ربيعا صورا أخرى لشتاء دافئ ترتجف الورقة البيضاء بين أناملها، وتتزاحم دموع الذكريات في عيونها، وحين يرتفع بصرها نحو قطرات مطر تنساب بسهولة من ثنايا السقف المهترئ تذرف شيماء دمعا.
وبحزن انغرس في خاصرة ذاكرتها تسأل شيماء -بعد أن تقذف بالورقة المبللة بعيدا-عن فصل شتاء كان يضمها هي وأسرتها ويلفهم بفرح كبير.. وتكاد الحروف على شفتيها تتجمد وهي تشتكي لـ"إسلام أون لاين. نت" وجع ما يكابدها: "أكاد أجن وأنا أتذكر كيف كنا نقضي الشتاء في بيتنا.. وكيف كانت أمي تستعد لاستقبال هذا الفصل باهتمام بالغ.. تحمينا من برده ولسعاته.. تلفنا بالأغطية الصوفية.. وفي المساء تعد لنا أكواب الشاي والحليب الساخن.. أما اليوم فـ...".
تتقطع الكلمات بسيف بكائها الحاد تاركة مهمة الحديث لعيون دامعة تجول على أرجاء خيمة صغيرة مصنوعة من الصفيح يغطي سقفها أكياس بلاستيك لم يصمد أكثرها في وجه العواصف والأمطار.
على مقربة من شيماء أخذ شقيقها "خليل" (17 عاما) يروي لـ"إسلام أون لاين. نت" كيف تعيش أسرته فصل الشتاء على أنقاض بيت كانت طوابقه الثلاثة تحتضن أيامهم: "لا أصدق أننا للمرة الثانية نعيش الشتاء وبرده القارس.. بعد الحرب (الإسرائيلية الأخيرة) باغتنا المطر، وعشنا أياما قاسية داخل هذه الخيمة.. وها هي ذات المأساة تتكرر من جديد.. سنغرق ونموت بردا".
الصيف أرحم
غزة تستقبل ثاني شتاء لها بعد حرب بشعة شنها دولة الكيان الصهيوني ما بين السابع والعشرين من ديسمبر والثامن عشر من يناير الماضيين، وأسفرت عن استشهاد نحو 1420 فلسطينيا، وجرح أكثر من 5450 آخرين، وتدمير نحو 16 ألف منزل، وتشريد 35 ألف أسرة؛ لتصبح الخيام المقر الدائم لمعظمهم بكل ما تحتويه من غربة وقسوة.
بألم يسكن صوته يكمل الأب زايد خضر (45 عاما) رسم معاناة عائلته المنكوبة قائلا لـ"إسلام أون لاين. نت": "لا أدري بأي حال سنعيش الشتاء؟!.. قبل أيام أمطرت فنكأ المطر جراحنا.. العواصف بعثرت السقف، وطيرت أكياس البلاستيك.. وكلما حاولنا تثبيت أقمشة أو أكياس أخرى تلقي بها الرياح عشرات المرات".
ويتذكر الأب بوجع كيف تسرب الماء إليهم وهم نائمون فأغرق فراشهم, وبعد أن يطيل النظر في أرجاء حي السلام شمال قطاع غزة المحاصر، حيث يتحد ركام بيته مع أنقاض عشرات البيوت المدمرة الأخرى يتساءل بغضب: "كيف سنعيش في هذا الجو؟! ربما كان الصيف أرحم؛ فقد كنا نهرب إلى الخارج من لهيب الصفيح، ولكن اليوم أين سنهرب؟! بحثت عن مكان يؤويني أنا وزوجتي وأبنائي السبعة فلم أجد". وبعد الحرب الأخيرة وتشريد آلاف الأسر أصبحت هناك ندرة شديدة في الشقق المعروضة للإيجار بعد زيادة الطلب عليها.
برد وظلام
ويسترجع الأب بحزن الذكريات الماطرة في بيت كان يضمه هو وأسرته كما الوطن: "كنا نتجمع بحب حول كانون النار.. نتسامر ونضحك طويلا, أما الآن فبالكاد نشعل شمعة خوفا من احتراق المكان".
أما زوجته "أم خليل" فتبكي بيتها بمرارة، وتتحسر على نوافذ كانت تنقذها من لسعات البرد، وتقي أطفالها من العواصف الماطرة، وتعترف بألم: "حين أنظر إلى أولادي وهم يرسمون الشتاء في صحبة بيتنا الذي دمرته طائرات الاحتلال أكاد أجن.. كم أتمنى لو أستيقظ ذات صباح وأجد نفسي بين أرجاء مطبخي.. أعد لأطفالي أشهى الوجبات الساخنة.. وأذهب إلى غرفهم وأوقظهم من نومهم".
وقد تستوعب الأم حرارة الصيف وشمس يوليو وأغسطس الحارقة، إلا أنها لا تكاد تتخيل كيف ستمضي شتاء آخر يقلعهم من مكانهم. وتتدحرج على خد "محمد" صاحب الأعوام الستة دمعة حين يتذكر فراشه الدافئ وغرفته الكبيرة.
ويقول محمد لـ"إسلام أون لاين. نت" وهو منهمك في سد باب الخيمة أمام هواء عاصف: "سنعيش في برد وظلام هذا الشتاء، وستتسرب المياه إلينا.. لن نفلح في المذاكرة ولا في النوم بأمان".
ولن تبكي عائلة "خضر" وحدها مطرا عاصفا يشل حركتها، بل ستذرف آلاف العائلات المشردة في غزة بيوتها المنهارة، ونوافذها المحطمة، وأسطحا ليس بإمكانها أن تستر.
وأمام أمل يراود العديد من المتضررين وسكان الخيام بالحصول على مساكن تحميهم من برد قارس، توالت صيحات التحذير الدولية من وضع إنساني سيعصف بغزة في فصل الشتاء ويزيد من أوجاع المنكوبين.
نقلاً عن اسلام اوين لاين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق