الاثنين، 20 يونيو 2011

معبر رفح كمان و كمان !!!

نيوز فلسطين | N.P.S

كتب د.حيد عيد : معبر رفح كمان و كمان


يا أبي, اخوتي لا يحبونني !

لا يريدونني بينهم يا أَبي.

يَعتدُون عليَّ ويرمُونني بالحصى والكلامِ

يرِيدونني أَن أَموت لكي يمدحُوني!
...
فماذا فعَلْتُ أَنا يا أَبي،

ولماذا أَنا؟

محمود درويش

عندما تم الاعلان عن فتح معبر رفح بشكل دائم من قبل السلطات المصرية, فرح سكان قطاع غزة المحاصر لأن الخبر يعني الكثير لهم في مواجهة حصار اعتبر من قبل الغالبية الساحقة من مؤسسات حقوق الانسان الأطول في التاريخ المعاصر, حصار قال المقرر العام للامم المتحدة في الأراضي المحتلة ريشارد فولك أنه (مقدمة لابادة جماعية) و أنه مخالف للقانون الدولي
و(جريمة ضد الانسانية) لأنه شكل من أشكال (العقوبات الجماعية!) كما أن المؤرخ و الناشط التقدمي الان بابيه أسماه (ابادة جماعية بطيئة!)

و من المعروف أن هذا الحصار فرض من قبل كل من "اسرائيل" و النظام المصري البائد الذي بذل أقصى الجهود لعقاب سكان القطاع المدنيين بسبب خروجهم عن بيت الطاعة العربي-الأمريكي-"الاسرائيلي".

و جاء خبر فتح المعبر ليتناغم مع ما طرحته الثورة المصرية العظيمة من سيادة وطنية, عبر عنها وزير الخارجية د. نبيل العربي في لقاء مع قناة الجزيرة بقوله أن الطريقة التي تعاملت بها حكومة مبارك مع أهل غزة لا يمكن وصفها الا (بالمشينة). 

و استبشرنا خيرا! فهذا, وبحق, دبلوماسي محترم, يعبر عن تطلعات ثورة مصر المباركة, و يختط خطا مختلفا بشكل هائل عن أسلوب سابقه السيد أحمد أبو الغيط الذي, في اعتقاد غالبية سكان القطاع, كانت له مشاكل شخصية مع نساء و أطفال و مرضى غزة, لدرجة أنه , و بطريقة أعادت لذاكرتنا الجمعية كلمات اسحاق رابين ابان الانتفاضة الأولى, وعد بتكسير أقدام كل طفل و امرأة و شيخ (يتعدى على الأمن القومي المصري!).

بل أن تلك الحكومة البائدة ارتأت ان الرئة الوحيدة التي تغذي القطاع يجب أن تغلق, و ذلك من خلال الشروع ببناء جدار فولاذي, 
و باشراف أمريكي, يخترق الأنفاق التي بناها المحاصرون بين الحدود الفلسطينية و المصرية (لتهريب) الدواء و الحليب لمرضى و أطفال غزة.

و لكن الثورة المصرية اتخذت قرارا بالتخلص من هذا الارث البغيض المصبوغ بصبغة "اسرائيلية"- أمريكية ترى بأن كل فلسطيني يشكل خطرا على كل ما هو صهيوني-غربي- رجعي عربي.

و السبب هو أن ثلث الشعب الفلسطيني, أي سكان الضفة و القطاع, كانوا قد صوتوا في انتخابات 2006 النزيهة, و التي شهد لها المجتمع الدولي على أنها من اهم الانتخابات التي شهدها الشرق الأوسط, ضد (قطار التسوية) و(العملية السلمية) و حل الدولتين العنصري الدائم الانزلاق, و سراب كان قد بدأ عام1993 , وضد نهج سائد بين النخب السياسية المتأسلوة و المتأنجزة.

لذلك فان قرار اغلاق المعبر كان يتناغم مع العقوبات التي قرر (المجتمع الدولي)فرضها على سكان القطاع الذين يتميزون بقدرة هائلة على الصمود يحسدهم عليها الكثيرون.

وكان دور النظام المصري البائد المساعدة قدر الامكان على نزع انسانية الفلسطيني, و الغزي بشكل خاص,و بطريقة تحسده عليها أكثر النظم فاشية.

فلم يكن يهم رجل الأمن المصري ان كان المسافر مريضا, أو طفلا, أو كهلا, أو طالبا, أو امرأة حامل, فكلهم يشكلون خطرا على الأمن القومي المصري! 
و يستغرب الانسان منا عن الأسباب التي طرحت و الطرق التي أستطاع من خلالها ذلك النظام خلق بيروقراطية أمنية 
ترى في كل فلسطيني عدوا محتملا لمصر!!

فبمجرد وصولك لمطار القاهرة تلاحظ نظرات التعالي و التكبر السلطوي على وجه رجل الأمن فور معرفته بجنسيتك.
عليك أن تترك كرامتك في الطائرة و تنتظر فرج رب العباد في سرداب تحت الأرض لنقلك بحراسة أمنية مشددة بعد مصادرة جوازك من المطار الى المعبر في رحلة مرهقة و مهينة للكرامة الانسانية عبرصحراء سيناء. 

و قد يستغرق انتظارك في ذلك السرداب الشهير أياما مع العديد من أهل القطاع , و الحسنة الوحيدة هي أنه لا توجد تفرقة بين المحتجزين, من قبل رجال الأمن, على أساس الدين أو الجنس أو الطبقة! 
و في هذا السياق يجدر التذكير بأن اخر قرار للحكومة المصرية المنصرفة كان عدم السماح للفلسطينيين بدخول مصر.

يطلق أهل القطاع لقب (معبر الموت) على ممر رفح, و من المعروف أنه هذا اللقب لم يأت من فراغ أو مداعبة ثقيلة الظل, لا سمح الله, فاهل القطاع معروفون بخفة الظل المشهود لها بسبب اختلاطهم التاريخي مع أهل مصر الحبيبة. 

بل على العكس, فان السبب يكمن في تلك المعاملة التي خلقها النظام البائد على المعبر والتي يوجد اجماع لدى سكان غزة على أنها (فريدة) من نوعها! 

فهي مزيج من تعالي شوفيني مخلوط بحقد بيروقراطي لا يمكن الا أن يكون نتاج مؤسسة أمنية تلقت دروسا متقدمة في القمع و نزع انسانية (الأخر).

 و لكن هل الفلسطيني المضطهد من قبل الاحتلال الصهيوني, و الذي يعتبر رأس حربة النضال العربي في المنطقة, هو (الأخر) لرجل الأمن المصري؟ و هل نجح النظام السابق, و الذي قبله, في تحويل وعي رجل أمن الدولة
و اقناعه بأن الفلسطيني هو (العدو؟) 

و الا فما هو تفسير الادعاء بأن الغزي يشكل خطرا على الأمن القومي المصري الذي صغر ليصبح متمترسا على حدود رفح؟
(لا شك أن جمال عبد الناصر كان يتقلب في قبره!) و ما الذي يبرر أساليب الذل و الهوان التي اتقنها النظام السابق 
حتى مع مؤيدي القضية الفلسطينية و الساعين لكسر الحصار الجائر؟ 

و هل قمع مسيرة غزة نحو الحرية و شريان الحياة يمكن تفسيره بشكل مختلف؟ و ان كان من الواجب في هذا السياق الاعتراف بأن بعض القوى الفلسطينية و بعض مؤسسات المجتمع المدني كان لها موقف (يتفهم) ما فعله النظام المصري من اغلاق للمعبر و انه يجب علينا الا (نحرف البوصلة) بالضغط على مصر لفتح المعبر!

و كانت نفس هذه القوى و المؤسسات قد باركت اعادة العمل على المعبر ببيانات الشكر للموقف الجديد لحكومة الثورة! 
و علينا أن نفترض أنها (تتفهم) عدم العمل الان على المعبربطريقة منتظمة!

و على الرغم من كل ما ذكر, فان القضية الفلسطينية كانت و لا زالت تشكل جزءا رئيسا من مكونات الوعي الوطني المصري. 
و كذلك فان القضايا المصرية ساهمت و تساهم في صياغة الوعي الفلسطيني. 
و بالتالي فان التأييد الشعبي الفلسطيني للثورة المصرية كان عارما,فمظاهر الفرحة على وجوه الشباب و النساء و الشيوخ
و الأطفال في شوارع غزة و الضفة و الشتات بثورة مصر كانت واضحة للعيان. 
ان نهاية نظام مبارك كانت بالضرورة تعني بداية نهاية الحصار الذي أودى بحياة أكثر من 500 مريض فلسطيني,كان من الممكن انقاذ حياتهم لو, و فقط لو, كان معبر رفح يعمل بانتظام.

انتظرنا بعد نجاح الثورة, و (تفهمنا ) الظروف الأمنية و السياسية التي تتعرض لها مصر الثورة.
كذلك (تفهمنا), مرة أخرى, الضغوط التي تمارس على المجلس العسكري و حكومة الثورة. 
و لكن, و في المقابل, توقعنا أن يكون معبر رفح أولوية على أجندة هذه الحكومة التي يكن لها كل فلسطيني احتراما كبير.
فالمعبر, و على حد تعبير وزير الخارجية د. نبيل العربي هو جزء لا يتجزأ من السيادة المصرية, 
و اعادة العمل فيه هو (قرار مصري بحت). 
و بناء عليه فقد صدر قرار فتح المعبر, و ان كان متأخرا نوعا ما, لمدة يومين فقط! 
و دخل المسافرون من كلا الطرفين. و كانت الفرحة بالقرار المصري الشجاع ,و الممزوجة بعدم التصديق, عارمة.

وكما يقول المثل المصري (يا فرحة ما تمت!) ففي اليوم الثالث استيقظ الغزيون على (أزمة على معبر رفح!) و كأن السلطات المصرية قد ندمت على قرارها السابق. 

كان العددالمسموح به بعد حادث أسطول الحرية يصل ل 500 مسافر يوميا, خفض الى 300 بعد الثورة.
و بعد قرار اعادة العمل بشكل كامل, و الذي في حقيقة الأمر لم يشمل معظم السكان الذين هم بين 18-40 سنة, و لا يشمل دخول البضائع من أدوية و غذاء ووقود..الخ, تأمانا خيرا بأن الأزمة الخانقة في طريقها للحل. 

و لكن بدأ الطرف المصري بالتراجع بشكل سريع جدا و تم تحديد عدد المسافرين الى 550, مع ارجاع عدد كبير منهم يوميا. 
و الأن فان العدد المسموح به يصل الى 300 و في كثير من الأيام 140 او 160!

وتبعا لمؤسسة الضمير لحقوق الانسان, فان الوضع الحالي يعني أن كل غزي سيسمح له السفر مرة واحدة كل 15 سنة! و ان كنت ترغب في السفر عليك التسجيل مسبقا على صفحة وزارة الداخلية في غزة, و من ثم التوجه الى أحد مكاتب وزارة النقل و المواصلات, او معبر رفح نفسه لاعادة التسجيل في عملية, ان نجحت, تأخذ ساعات. 

و ان كنت محظوظا, و هذا شيء مشكوك فيه,فان أمكانية سفرك تكون في بداية شهر سبتمبر! 
و ماذا عن المريض؟ الطالب؟ صاحب الاقامة؟؟

يتذرع الطرف المصري بقلة عدد الموظفين العاملين على المعبر, و عدم قدرة المعبر على استيعاب أعداد كبيرة(!), 
و بالوضع الأمني في سيناء....الخ. 
و السؤال الذي يطرحه أهل القطاع: هل كل المعابر الحدودية المصرية مغلقة لنفس الأسباب؟ 
و في هذا السياق أذكر حورا مع احدى الناشطات في ميدان التحرير حيث ذكرت أن قرارا كان قد صدر من وزارة الداخلية ابان الثورة للعاملين في مطار القاهرة الدولي بالانسحاب, 
و كان رد رجال الأمن: (ده المطار! ما ينفعش يتقفل!) و لم يتوقف العمل في المطار. 

و نحن بدورنا نتساءل: لماذا لا يقال :(ده المعبر! ما ينفعش يتقفل!) 

من الواضح أن الثورة المصرية لم تصل رفح بعد!
ان فتح المعبر هو تعبير عن الارادة المصرية المستقلة المرتبطة ارتباطا مباشرا بسبب قيام الثورة الا وهو الكرامة الشخصية و الجمعية للشعب المصري البطل.
و هوكذلك تجسيد لمدى اهتمام مصر الثورة بالام و معاناة الشعب الفلسطيني.
لذلك فان الرضوخ (للضغوط الامريكية و "الاسرائيلية"), 
و اعتبار أن قرار فتح المعبر بشكل دائم كان متسرعا, هو خروج عن مطالب الثورة.

ولكن على الطرف الفلسطيني أيضا التعويل على المزاج الثوري السائد في العالم العربي, و في مصر خاصة, و استثمار و سائل الضغط الجماهيري, لا النخبوي, لفتح المعبر 24 ساعة يوميا بلا قيد أو شرط و ان استلزم ذلك أكثر من جمعة مليونية!


*مع التقدير للراحل المصري الكبير يوسف شاهين, مخرج فيلم (اسكندرية كمان و كمان!)
حيدر عيد: أستاذ مشارك في أدب ما بعد الاستعمار و الدراسات الثقافية. 
و مستشار "شبكة السياسات الفلسطينية".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقالات متصلة

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...