98% ممّن هم فوق الـ50 عاماً مؤمنون بتحقّق العودة
94% من الشباب يرغبون في مرجعية سياسية
43% يعطون الأولوية لتوفير الحقوق الاجتماعية والمدنية
9.6% يرون أنّ المفاوضات والتسوية تستطيع تحقيق العودة
أجرى مركز بيروت للأبحاث والمعلومات استطلاعاً للرأي حول حقّ العودة بتكليف من منظمة «ثابت» لحق العودة.
نُفِّذ الاستطلاع بين 3 و9 نيسان 2009، وشمل عيِّنة من 500 مستطلَع، واعتُمدت فيه منهجية إحصائية تلحظ التوزع الديموغرافي في مختلف المخيمات الفلسطينية (بيروت، الشمال والجنوب)، بالإضافة إلى الفئات العمرية المختلفة من الجنسين
رغم مرور واحد وستين عاماً على النكبة، ورغم الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة وحتى المأساوية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، إلا أن العقل والمزاج السياسي للاجئين ما زال صلباً متماسكاً عنيداً مصراً على التمسك بحق العودة إلى المدن والقرى التي شردوا منها في عام 1948 معتمدين المقاومة وسيلة مُثلى وخياراً أنسب لتحقيق ذلك.
هذا ما يتضح من نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه «مركز بيروت للأبحاث والمعلومات».
مع الأخذ في الاعتبار أن «حق العودة» قيمة أخلاقية لا يمكن الاستفتاء عليها، لذلك لم يُسأل المستطلَعون عن «الحق» بل عن إيمانهم بإمكان تحقيق العودة ولو بعد أجيال (أي إنها حتمية).
أجابت غالبية كبيرة تقارب تسعين في المئة من اللاجئين إنها تؤمن بإمكان تحقيق العودة، ولو مع أجيال قادمة. يأتي ذلك في ظل الظروف الصعبة التي يعانيها اللاجئون اقتصادياً واجتماعياً وحتى سياسياً مع توقف العمل المقاوم ـــــ ببعده العسكري ـــــ في لبنان ووجود بيئة تنظيمية فلسطينية متقادمة.
يمكن اعتبار النسبة كبيرة وكبيرة جداً، غير أن نظرة أعمق على إجابات المستطلعين قياساً إلى أماكن وجودهم وأعمارها ـــــ جغرافيا وعمرياً ـــــ تظهر أن هذه الثقة بالعودة موجودة وسط لاجئي الشمال الذين بلغت نسبتهم 94% بفارق طفيف عن الجنوب، بينما النسبة الأدنى سجلت فى بيروت بنسبة 70%.
أما عمرياً، فلم يكن مفاجئاً أن تُظهر الشريحة الأكبر ـــــ فوق 50 سنة ـــــ ثقة بإمكان تحقيق العودة بنسبة 98%، قياساً إلى الفئة المتوسطة والشابة التي يجب الانتباه إلى أن نصفهم تقريباً أو أقل قليلاً شكّكوا بإمكان تحقيق العودة إلى فلسطين.
فى إجابات السؤال الثاني ثمة مضمون واضح بانحياز اللاجئين إلى خيار المقاومة، وهم وإن لم يوجد الإجماع الساحق بينهم، غير أن ثلثي اللاجئين يعتمدون المقاومة سبيلاً لتحقيق العودة مقابل أقلية معتبرة تقارب الثلث ـــــ وهذا ما يستحق التأمل ـــــ ترى أنه يمكن بغير المقاومة سواء عبر الأمم المتحدة (القرارات الدولية) أو المجتمع الدولي (المفاوضات والتسوية) تحقيق ذلك، ما يعني أن ثقافة أو خيار فريق التسوية لم يعد هامشياً في أوساط اللاجئين.
عند فحص إجابات السؤال الثاني جغرافياً، نجد أن ثمة تقارباً أيضاً بين أماكن الوجود الثلاثة: الشمال والجنوب وبيروت، مع أرجحية نسبية للجنوب في تبني المقاومة، وكما هي العادة تأتي بيروت في المرتبة الأخيرة في اختيار المقاومة سبيلاً لتحقيق العودة، إذ إن ما يزيد على النصف بقليل فقط يعتقدون أن ذلك يتحقق عبر المقاومة.
أما عمرياً فنجد أن نسبة المتمسكين بالمقاومة بين شريحة الشباب هي الأقلّ بين الشرائح العمرية الثلاث المعتمدة، والمفاجئ أيضاً أن النسبة الأعلى للتمسك بالمقاومة موجودة أيضاً عند كبار السن، بينما الأدنى نجدها عند الشباب، رغم أن العكس يجب أن يحصل، وهذا يعني أن ثمة مشكلة موجودة عند الجيل الشباب.
في السؤالين المتعلقين بالحقوق المدنية والوضع الاقتصادي الاجتماعي نجد نتائج متشابهة أيضاً، أغلبية كبيرة جداً تعتقد أن تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتوفير الحقوق المدنية لا يُسهم في تكريس التوطين ومعظم اللاجئين يرون أن تحسين هذه الأوضاع يمثل أولوية، سواء عبر الحصول على الحقوق الاجتماعية والمدنية وحق التملك، أو عبر تحسين الأوضاع الصحية والتعليمية.
وفي التفاصيل الجغرافية والعمرية يتضح أن أهم الحقوق هي الاجتماعية والمدنية، وحق التملّك يمثل أولوية لدى لاجئى مخيمات بيروت.
في المقابل يبدو تحسين الوضع الصحي أولوية للاجئي الشمال والجنوب بعد نيل الحقوق الاجتماعية والمدنية التي تحوز المرتبة الأولى لدى الشرائح الثلاث باعتبارها مدخلاً لتحسين الجوانب الأخرى الاقتصادية الاجتماعية.
واللافت أيضاً أن أكثر من ثلث اللاجئين فى بيروت يرون أن توفير الحقوق المدنية الاجتماعية يسهم في تكريس التوطين ونسيان حق العودة، فيما تتبنى العكس أغلبية ساحقة في الشمال والجنوب.
أما عموماً، فيبدو أن التملّك هو الهمّ الأدنى للشريحة الأكبر لمصلحة تحسين الوضع الصحي والحقوق الاجتماعية.
أما الشريحة الشابة فتعطي أولوية للحقوق الاجتماعية والمدنية ولو على حساب الوضعين التعليمي والصحي، ما يناقض القاعدة الفلسطينية الشهيرة باعتبار التعليم أولوية قصوى، ليس فقط لتطوير الأوضاع الاجتماعية، لكن أيضاً لأنه خطوة باتجاه حق العودة ومقاومة الاحتلال الصهيوني على المستوى الثقافي والفكري.
وفي هذا وجهة نظر أخرى، وهي أن نسبة كبيرة من أبناء المخيمات الفلسطينية تعيش تحت خط الفقر (حسب الأونروا 60%)، بسبب البطالة وانعدام فرص العمل، فإنهم لن يولوا التملّك اهتماماً كبيراً لعدم مقدرتهم الاقتصادية على ذلك.
وفي هذا السؤال ـــــ على ما يبدو ـــــ اتجه تفكير المُستطلَعين إلى فتح ثغرات لتحريك وضعهم الاقتصادي والخروج من تحت خط الفقر والتقليل من البطالة.
أما التعليم، فإن الأونروا التي خفضت خدماتها الصحية، لم تخفض حتى الآن جهودها في التعليم، لذلك فإن التعليم الفعّال نسبياً في المجتمع الفلسطيني حتى المرحلة الثانوية، تبدأ مشكلته في المرحلة الجامعية، ما يؤخر زمنياً جعلَه من الأولويات التي تؤثر على معيشة الفلسطيني.
في السؤال الخامس لم يكن من المفاجئ أن تطالب أغلبية ساحقة جداً، أي 94%، بإنشاء مرجعية سياسية جامعة وشاملة للفلسطينيين في لبنان، وهو المطلب الملحّ جداً لتحسين أوضاعهم والحفاظ على حق العودة أيضاً، وهناك أيضاً موافقة تامة من لاجئي الشمال وأغلبية كبيرة من لاجئي بيروت.
أما عمرياً فليس من فارق كبير أيضاً بين الشرائح المختلفة تجاه الأمر، ما يعني أنه مطلب جامع بامتياز.
في الأخير يمكن إيجاز نتائج الاستطلاع على النحو الآتي:
ما زال المزاج الفلسطيني عنيداً ومصرّاً على التمسك بحق العودة مؤمناً بإمكان تحقيقها ولو بعد جيل قادم، وكذلك المقاومة كخيار أمثل لتحقيق ذلك، مع مشكلة أو ثغرة جلية وسط لاجئي بيروت.
أما المعضلة المركزية فنجدها وسط الشريحة الشابة التي تراجع إيمانها بالعودة والمقاومة عن الشرائح الأخرى، لذلك يجب أن يحتل هؤلاء حيزاً مهماً من أجندة العمل السياسي والتنظيمي الفلسطيني فى لبنان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق