غزة...معاناة فوق معاناة>>
الاحتلال, والحرب, والحصار, وتخاذل العرب, والفقر...
اتفقوا على معاناة أهل غزة>>
عد ثلاث أعوام ونصف العام من الحصار على غزة, والكساد يغزو الأسواق بشكل واسع, ومع قلة السيولة في أيدي المستهلكين, وشح البضائع, علاوة عن أسعارها المرتفعة والتي تصل أحياناً لأكثر من الضعف.
مراسل وكالة قدس نت للأنباء محمد شحادة, تجول في الأسواق الغزية مع اقتراب موسم الافراح , لمعرفة أحوالها وما آل إليه الوضع من حال مزرٍ في ظل الحصار, في محاولة للمقارنة بين اليوم وقبل ثلاث أعوام ونصف العام, أي قبل الحصار, ولوضع اليد على الأسباب الرئيسية لضياع الثقة بين التاجر والمستهلك .
ماهر اليازجي عامل في محل الدهدار لتجهيز العرائس. قال " طبيعة عملنا تتوقف على المواسم والتي تبدأ بالنسبة لنا منذ منتصف شهر 6 وحتى نهاية شهر 9 وهي الفترة التي غالباً ما تكون فيها الأفراح في غزة كما جرت العادة, لكن بشكل عام أستطيع أن أقول لك جازماً أن معدلات البيع انخفضت عن السابق بشكل لا يمكن أن يخفى على أحد
".وتابع قائلاً " السبب في ذلك يعود لإغلاق المعابر, وقلة البضائع, وأسعارها المرتفعة, وعدم صرف الرواتب للعديد من موظفين السلطة, والمعيشة بمجملها أصبحت غالية جدا ً", وأشار الى أن الفترة الوحيدة التي يمكن أن ينتعش فيها السوق نوعاً ما, هي الأيام الأولى عقب صرف رواتب موظفي السلطة ".
تجار يستغلون الظروف..
وأردف اليازجي " هناك البعض من التجار يستغلون الظروف خصوصاً الذين يستوردون بضائع أجنبية ويكون هو الوحيد الذي أحضرها فيصبح محتكراً لها وبامتياز, غير أنها تكون عليه أيضاً غالية فهو يشحنها بطائرة الى مصر وربما تضبط ويدفع عليها جمارك وبعد ذلك سوف يجلبها عن طريق الأنفاق التي ارتفع سعر التوصيل عبرها بسبب القصف المتكرر لها من قبل جيش الاحتلال حيث أن الكيس كان ينقل ب80 دولار بينما اليوم أصبح ب130دولار".
وحول قدرة العرائس على الشراء قال "هناك القليلات منهن مقتدرات, والباقي تجدهن يشترين حسب مهورهن فتشتري العروس على سبيل المثال قطعة واحد أو اثنين من البضائع الأجنبية الغالية والتي تخدم عندها, بينما تشتري الباقي من البضائع المحلية التي في الأغلب لا تتحمل غسلة أو اثنتين وهي تعلم ذلك جيداً, لكن ماذا تفعل؟, ومثلما يقول المثل " على قد لحافك مد رجليك"
".ولفت اليازجي النظر لنقطة مهمة حيث قال " هناك من التجار من يضع مخافة الله بين عينيه فعدما تأتيه أي عروس ويعرف أنها ابنة شهيد أو أخت شهيد أو حتى زوجة شهيد وستتزوج للمرة الثانية فانه يقوم بمراعاتها لدرجة أحياناً تصل لعدم ربحه منها
أي مبلغ ولو كان بسيطا ".
وحول البضائع والأقمشة في الأسواق قال اليازجي" في السابق كان هناك لدينا بضائع غزيرة لدرجة المضاربة وكانت تمشي وتباع حتى آخر قطعة بينما اليوم لا يوجد شيء إلا الشحيح من الأجنبي أو المحلي على حد سواء فالمحلي أيضا يحتاج لقماش والخياطون هنا لم يتركوا قماش إلا فكروا به, فقد فصّلوا من أقمشة الكنب ترنجات أطفال شتوي, ومن أقمشة الخيم البرمودات والشّباحات كما واستخدموا أقمشة الستائر السيتان للملابس الداخلية ".
معدلات البيع نزلت 70%_80% ..
ومن جانبه قال معتز البحطيطي العامل لدى محل أسليم للاكسسوارت والماكياج " معدلات البيع نزلت حتى70%_80% عنها قبل ثلاث سنوات ونصف , والأمر لا يتوقف فقط عند شراء المستهلك, بل ونحن كتجار لم يعد دخول البضائع إلينا كما في السابق كما وارتفع سعرها بشكل ظالم سواء علينا أو على المستهلك الأخير ".
وأضاف " مدى تقبل الزبائن للأسعار بعد ارتفاعها صعب جداً وبكل معاناة حتى يأخذون في النهاية ما هو مهم وضروري للغاية بالنسبة لهم, والتجار المستوردين يلعبون دوراً أساسياً في بيع السلع بهذه الأسعار واحتكارها فعلبة الماكياج "أولاي" مثلاً كان سعرها لا يتعدى المائة شيكل بينما اليوم أصبح سعرها مئتي وخمسين شيكل وهذا ظلم بمعنى الكلمة
".وأردف البحطيطي قائلاً " في البداية كان الإقبال واسع وكانت شريحة لا بأس بها تقبل على الإكسسوارات وهذا ما جعل فكرة وجود محلات مختصة بالإكسسوارات والماكياج فقط, بينما اليوم الوضع تغير وكل الأمور انقلبت والبيع لدينا يقتصر على شالة أو شنطة أو ما شابه ونادرا ما يتم الالتفات لعقد أو خاتم أو ماكياج".
وتابع مستفهماً " أنظر, ها هو السوق أمامك, هل هذا منظر سوق؟, يكاد يكون شبه خال تماماً الا من التجار وبضائع معروضة تنتظر من ينظر إليها بعين من الشفقة, إننا لا نترك وسيلة لاجتذاب الزبائن الا ونقوم بها, نلعب بالديكور, نغير نمط العرض كل حين, نظهر الألوان والزركشات, ولكن كما ترى بلا فائدة والسوق طوال النهار مثلما نقولها بالعامية لبعضنا كتجار "رايقة" أي لا حركة ولا بيع".
وذكر البحطيطي الوضع في مواسم الأعياد فقال " تلاحظ في الأعياد زيادة المبيعات ولكن بنسب محدودة لا تصل حتى نسب البيع في يوم عادي قبل الحصار, وفي موسم العيد السابق أغلقنا المحل في تمام العاشرة مساءا وكان السوق في حالة يرثى لها, بينما كنا في الأعوام السابقة نبقى في محلاتنا حتى الثالثة فجرا".
أما محمود الغمري وهو صاحب محل لبيع الأحذية قال " الفرق بين نسبة المبيعات قبل ثلاث أعوام واليوم لا يقارن, انه فرق شاسع جدا يصل حتى 50%_60%, وأغلب الأوقات اليوم تكون الأسواق"رايقة" كما ترى ولا حركة في السوق, وأؤكد لك أن ليس كل من يأتي للسوق يأتي للشراء".
البضائع أغلى بكثير من السابق..
وأرجع الغمري سبب تراجع نسبة المبيعات الى أن البضائع أغلى بكثير من السابق وقال " على سبيل المثال كان هذا الحذاء ب30 شيكل بينما اليوم هو نفسه نبيعه ب50شيكل ومربحنا لم يتغير بل هو أساسا ارتفع سعره علينا نحن أيضا من قبل التاجر المستورد
".وأشار الى أن الناس حسب ملاحظته المباشرة لا تنزل الى السوق الا في حالات الضرورة القصوى كشراء الملابس مثلا وما يستر فقط, مؤكدا هو الآخر أن للسوق حركة واحدة في الشهر في الأيام العادية وهي حركة أول أيام صرف رواتب السلطة .
"وأضاف " إن الأسعار غالبا ما تكون استفزازية للزبون والذي بدوره يرد علينا بردود استفزازية أيضا اعتقادا منهم أننا جشعين في أرباحنا, وأنا شخصيا بصراحة أعذرهم في بعض الأحيان فالتي أتت وتريد أن تشتري حذاء لطفلها وعاملة حسابها على قدر 20 شيكل مثلا فتأتي لتفاجأ وتوضع تحت الأمر الوقع وتجده ب40شيكل
".وتابع قائلأً " أستطيع أن أقول لك الأرباح هي نفسها لم تتغير, ولكن السعر ارتفع ومدى التحصيل المادي من المبيعات لا يعبر عن عدد المبيعات بالمقارنة في السابق".
وأرجع الغمري الدور الرئيسي لكل هذه المشاكل في السوق والغلاء الفاحش الى التجار والأنفاق قائلا:"الدور الرئيسي يعود للتجار والأنفاق فهناك من التجار من يحضر سلعة معينة لم يحضرها أحد غيره فيحتكر سعرها في السوق ويطلب بها السعر الذي يريد على أن تكون مثلا ب50شيكل وبعد أن يغرق السوق ويتشبع منها وتمسي قديمة فيقل الطلب عليها يعرضها ب30 أو 25شيكل أي يخفض من قيمتها النصف تقريبا دفعة واحدة فيضرب السوق ويضرب التاجر الصغير الذي ما زال عنده كمية من هذه السلع ولتكتشف في النهاية أن ال25 شيكل التي أفرقت في السعر الثاني عن الأول هي مربح تام غير المربح الأصلي.
لقد أمسى الموت أكثر شرفا من الحياة..
وبالنظر لآراء المواطنين ومدى تقبلهم لهذه الأسعار المرتفعة وأسباب نزوله للسوق قالت الحاجة أم كمال وهي في قمة السخط على الواقع "الأسعار جدا غالية وهذا ظلم للعباد , بلا مؤاخذة نحن لسنا من أبناء الطبقة البرجوازية, أصبح معروف أن80% من سكان قطاع غزة هم تحت معدل الفقر, فلمن هذه الأسعار؟, أذهب لشراء حذاء لابني الشاب فأجد أن أقل الأحذية سعر لا ينزل عن 140 شيكل لماذا؟ هل نحن في تل أبيب ؟
"بينما قالت الحاجة أم محمد وقد اصطحبت بناتها معها " الأسعار نار يا خالتي, والله لسه مسكت العقد أعجبني فوجدته بثمن الشالة فقلت لا سأخذ الشالة أبقى وأستر, هذا ليس وقت الإكسسوارات
".أما السيدة أم أحمد فقالت " لقد أمسيت أكره شيء اسمه سوق, كفانا أكلا في لحم بعض, والحمد لله اللي قادرين على توفير لقمة العيش كيفما تفهم, قبل أن آتي للسوق أكون عاملة حسابي منذ شهرين قبل , وأبدأ أوفر له من مصروف البيت وفي النهاية, اليوم ال200شيكل ما بتكسي شاب, ومن عنده 4أو5 ماذا يفعل؟.
إذاً ها هي غزة, فوق المأساة مأساة, وفوق القهر قهرين أو أكثر, وبعد المعاناة سجل من المعانات وليس لهم سوى الله, يحيون بأمل لا يعرفون هل يصيبونه أم يموتون دونه..!!؟
نقلاًعن قدس برس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق